تشير التنبؤات إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى ما يقرب من 71 تريليون دولار لإنشاء مشروعات للبنية التحتية تتمثل في طرق دولية ومرافئ ومطارات وشبكات مائية وكهربائية... في مختلف مناطق العالم، وذلك من الآن وحتى عام 2030. ما من شك في أن تلك المشروعات تنطوي على فوائد هائلة، كما يذهب إلى ذلك المدافعون عنها، لكن يجب ألا نغفل حقيقة أنها تنطوي على جوانب سلبية أيضاً. بعض تلك الجوانب معروف، وأخطرها الفساد. فعندما تدخل الاستثمارات الضخمة في حيز اختصاص الحكومات، فإن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو حدوث حالات رشى ومدفوعات مالية غير قانونية. ففي دراسة عن طريق زراعي خارجي كان يجري إنشاؤه في إندونيسيا، تبين أن ربع الأموال التي كانت مخصصة لإقامة ذلك المشروع، قد اختفت دون أن تترك أثراً، وهو ما يعود للفساد المتفشي هناك. ولا يقتصر الأمر على إندونيسيا بالطبع، فهناك حالات أخرى مماثلة تقع في مختلف دول العالم، حيث تقدر كلفة الفساد المرتبط بإنشاء البنية الأساسية وصيانتها في الدول النامية بأكثر من 18 مليار دولار سنوياً. وفي تقرير أصدرته "كلية لندن للدراسات الاقتصادية" عام 2005، ذكر أحد كبار الاقتصاديين في البنك الدولي، أن الشركات المتعاملة مع الدول النامية، تخصص ما بين 10 و15% من قيمة مشاريعها في تلك الدول كمدفوعات تتم من تحت الطاولة، وذلك من أجل تسيير أعمالها هناك. ورغم أن السلوك المالي، يختلف من دولة لأخرى، فما ينبغي قوله هو أن الفساد كان موجوداً على الدوام خلال التاريخ، سواء في مجتمعات الموجة الأولى الزراعية، أو الموجة الثانية الصناعية، أو حتى في الموجة الثالثة للاقتصادات القائمة على المعرفة. وهناك حزمة أخرى من المشكلات المرتبطة بإنشاء البُنى التحتية هي المشكلات البيئية. فالناشطون في مجال حماية البيئة في مختلف أنحاء العالم، ينظرون بتشكك إلى مشروعات البنية التحتية، لأن تلك المشروعات كانت تؤدي في الماضي، وبشكل دائم تقريباً، إلى أضرار بيئية رغم أن البنك الدولي أصدر تقريراً عام 2007 يقول فيه إن "مشروعات البنية المصممة جيداً يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على البيئة". فمثلاً يمكن للتقنيات الجديدة استبدال أنواع الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة النظيفة المتجددة، وذلك من أجل تخفيض كميات الأمطار الحمضية، والضباب المحمل بدخان المصانع، وتجنب تلف المحاصيل بسبب الانبعاثات الصادرة من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بطاقة الفحم. علاوة على ذلك، يمكن من خلال الاستثمار في مشروعات الصرف الصحي، ومنظومات الإمداد بالمياه، تحسين البيئات المحلية من جهة، ورفع مستوى الصحة العامة للسكان من جهة ثانية. يقول أحد مسؤولي البنك الدولي: "هناك فرص عديدة للتخفيف من الأعباء البيئية، مع الوفاء في الوقت نفسه بالطلب العالمي على الطاقة، والمواصلات والماء. ليس هذا فحسب بل الشيء الأكثر أهمية، هو أن مشروعات البنية التحتية، يمكن أن تؤدي إلى تحسين القيم البيئية، وخصوصاً عندما يتم الدمج الجيد لمثل تلك المشروعات في استراتيجيات البيئة لكل دولة من الدول، بشرط أن تكون تلك الاستراتيجيات مصممة بشكل جيد وأن تُدار بشكل دقيق أيضاً". والإنشاء الواسع النطاق لمشروعات بنية تحتية جديدة، سيتطلب إعادة توطين ملايين البشر في مناطق جديدة. وتقدر جامعة "سيتي" اللندنية أن بناء الطرق الخارجية، والسدود الجديدة في أنحاء العالم، يؤدي إلى إعادة توطين 10 ملايين إنسان سنوياً. ويمكن للتخطيط الخلاق في الموجة الثالثة من التطور، التخفيف من آثار تلك المشكلة أيضاً. كما يمكن للصناعات الجديدة الناشئة، مثل مصافي الوقود الحيوي، توفير وظائف جديدة في الريف. وأيضاً توفيرها عبر استخدام وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية المتقدمة، بما يؤدي إلى نشوء مراكز للإنترنت، وبناء قرى ومدن جديدة، تتواءم مع مجتمعات اقتصاد المعرفة في المستقبل. ومن أكبر المخاطر التي ترافق مشروعات البنية التحتية، الخطر المتعلق بالاعتماد على افتراضات ونماذج ومقاولين ينتمون إلى الموجة الثانية الصناعية، في وقت يمكن للتقنيات والأساليب المنتمية للموجة الثالثة من التقدم، إعداد الشركات والدول بشكل أفضل لمتطلبات المستقبل. فمثلاً يمكن إنشاء الطرق الخارجية المستقبلية دون حاجة لاستخدام الأسمنت والإسفلت، وهما المادتان اللتان تطلقان كميات من ثاني أوكسيد الكربون في الجو، تفوق ما تطلقه جميع خطوط الطيران العاملة في العالم مجتمعة. وهناك بدائل جديدة للأسمنت والأسفلت مثل ما يعرف بأسطح البلاستيك الحرارية التي بدأت هولندا بالفعل في استخدامها. إلى ذلك، ثمة تجارب يجريها العلماء في "جامعة كاليفورنيا- ديفيس" حالياً على "روبوت" يستطيع المساعدة في ضمان استمرار تدفق حركة المرور، من خلال إزالة الثلج المتراكم في الطرقات. وفي اليابان، تشتغل شركة "نيسان" على نظام يمكن استخدامه لتحديد "الموضع العالمي" للمشاة الذين يسيرون قرب الطريق أو يعبرونه بشكل خطر، مع القيام بتحذير سائقي العربات القريبة منهم كي يأخذوا حذرهم. إن الفشل في الاستفادة من إمكانيات الموجة الثالثة اليوم، والفشل في توقع أشكال التقدم التقني المستقبلي المرتبطة بها، لا بد أن يقود إلى هدر غير ضروري، وإلى مزيد من الدمار البيئي، وإلى حركات تهجير اجتماعي غير ضرورية. علاوة على ذلك، يجب على الخطط التي يتم إعدادها لمشروعات البنية الأساسية الجديدة، ألا تفترض أن الحدود والموانع التقليدية القائمة الآن، لن يتم التغلب عليها في السنوات القادمة. فإذا ما أخذنا مثلاً عمليات الشحن والموانئ والرافعات والحاويات المستخدمة من أجلها حالياً، فسنجد أن هناك 50 مليون حاوية تعبر محيطات العالم سنوياً. وإذا ما عرفنا أن الحاوية التي يبلغ ارتفاعها 20 قدماً وتزن 4500 رطل، تعود فارغة مرة أخرى عبر محيطات العالم إلى الموانئ التي أبحرت منها، فسندرك أن هناك هدراً رهيباً للطاقة والأموال يحدث جراء ذلك دون أن تترتب عليه أية فائدة حقيقية. وإذا ما نظرنا إلى المستقبل، فالسؤال الذي لا بد أن يخطر على أذهاننا هو: لماذا يفترض مصممو مشروعات البنية التحتية المستقبلية في الخطط التي يضعونها، أن البشر سيستمرون في استخدام نفس النوع من الحاويات خلال 25 عاما القادمة؟ إذا ما أخذنا الاختراقات العلمية الرائعة التي تحدث اليوم في الاعتبار، فلا بد أن نتساءل: أليس من الممكن أن تؤدي التطورات في تقنية "النانو" وعلم المواد، إلى إنقاص حجم العديد من المواد المنقولة في الوقت الذي يمكن فيه إنشاء حاويات أخف وزناً وأقوى جسماً وأرخص سعراً، يمكن التخلص منها بعد الاستعمال، بما يؤدي في النهاية إلى تخفيض كمية الوقود المطلوب لنقلها، إضافة إلى التكاليف التي ندفعها مقابل الاستفادة من منشآت وتسهيلات المرافئ؟ الأمثلة السابقة مجرد نماذج للتقنيات التي يمكن تطويرها، والتي يمكنها تقليص التأثيرات السيئة على البيئة، بينما نعمل على تصميم وإنشاء البنى التحتية اللازمة للمستقبل. ـــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"